الأميران في البرج
اميرا البرج .. ماذا حل بهما يا ترى ؟! ..
عبر القرون تحدث العديد ممن سكنوا أو عملوا في البرج عن رؤية شبحين لطفلين كانا يظهران أحيانا في الباحة الداخلية للبرج وهما يلعبان ويلهوان معا. وفي أحيان أخرى، كانا يظهران في إحدى حجرات البرج القديمة وهما يبكيان وقد ارتسمت على وجهيهما علائم الخوف والحزن.
فمن يا ترى يكون هذان الطفلان ؟ ..
أنهما إدوارد الخامس، ملك انجلترا ذو الأنثى عشر ربيعا، وشقيقه الأصغر، ريتشارد دوق يورك ذو التسعة أعوام. فبعد موت والدهما الملك ادوارد الرابع في ابريل / نيسان عام 1483 أصبح عمهما ريتشارد وصيا عليهما، ومن أجل اغتصاب العرش لنفسه، أعلن ريتشارد أن أبني أخيه هما ولدين غير شرعيين لشقيقه الراحل، وقام بحبسهما معا في البرج، حيث أمضيا هناك عدة أشهر وشوهدا مرارا وهما يلعبان معا في الباحة، لكن بحلول شهر ديسمبر / كانون الأول عام 1483 اختفت آثار الأميران نهائيا، ولم يشاهدهما أحد بعد ذلك التاريخ، ولا يعلم سوى الله ماذا جرى لهما.
بعض الروايات التاريخية تذهب إلى أن عمهما، الذي توج لاحقا بأسم الملك ريتشارد الثالث، أرسل سرا بعضا من رجاله لقتل الأميرين في البرج، وذلك لكي لا يشكلا تهديدا على عرشه في المستقبل، وتذهب تلك الروايات إلى أن الأميران قتلا خنقا بوسادة ثم دفنت جثتيهما في بقعة مجهولة داخل البرج. فيما تزعم روايات أخرى بأنهما قتلا بالسم. لكن أيا ما كانت الحقيقة، فأن المؤكد هو أن الأميران ماتا بصورة ما خلال عام 1483، ولم يرهما احد بعد ذلك التاريخ.
لكن الجدل حول مصير الأميرين تجدد فجأة عام 1674 بعدما اكتشف بعض عمال البناء عن طريق الصدفة صندوقا خشبيا عتيقا كان مخفيا بعناية تحت الأرضية أسفل سلم البرج، وفي داخل الصندوق كان هناك مجموعة من العظام الملفوفة بالمخمل، وبإعادة ترتيبها تبين أن العظام تشكل هيكلين عظميين لطفلين، أحدهما أكبر من الآخر. وقد دفنت هذه العظام لاحقا في قبر داخل كنيسة وستمنستر حيث جرت العادة أن يدفن الموتى من ملوك وملكات انجلترا هناك. وفي عام 1933 تم فتح القبر لأجراء المزيد من الفحوص على العظام، وقد تأكد حينها بأن العظام تعود فعلا لطفلين أعمارهما تتراوح بين السابعة والثالثة عشر، وهو الأمر الذي زاد من احتمال كونهما عظام الأميران المفقودان.
ريتشارد الثالث .. هيكله العظمي اكتشف عام 2012
العم الظالم، الملك ريتشارد الثالث، لم يهنأ بالعرش طويلا، إذ مات قتيلا بعد أقل من عامين، تحديدا في 22 أغسطس / آب عام 1485، غدر به قادة جيشه خلال معركة بوسورث ضد خصمه هنري تيودور، وفي لحظة من اليأس المشوب بالرجاء، قرر ريتشارد أن يقتحم بحصانه صفوف الأعداء رأسا صوب خصمه أملا في أن يقتله وينهي المعركة لصالحه. وبرغم كل ما يقال عن خسة ريتشارد الثالث، إلا أنه أبدى شجاعة منقطعة النظير في تلك الساعات الأخيرة من حياته، إذ مضى يجندل بسيفه كل من يقف في طريقه، حتى وصل على بعد ضربة سيف من هنري، غير أن حراس ومرافقي هنري ارتموا عليه وحموه، ثم تكاثروا على ريتشارد الذي بقي وحيدا، أحاطوا به من كل جانب، قتلوا حصانه، فنزل يحارب راجلا حتى باغته رجل بضربة من الخلف على رأسه فسقط قتيلا يتخبط في دمه، وقد عامله أعداءه بعدم احترام كبير، فجردوه من ملابسه وعلقوه ليومين قبل أن يدفن في بقعة مجهولة بالقرب من كنيسة ليستر. وبموته أصبح ريتشارد الثالث هو آخر ملك في تاريخ انجلترا يسقط قتيلا في ساحة معركة. وقد أثار ريتشارد الثالث الكثير من اللغط والاهتمام الإعلامي مجددا عام 2012 عندما تم اكتشاف هيكل عظمي تحت مراب للسيارات في مدينة ليستر، ليتضح لاحقا، عن طريق الدلائل والاختبارات العلمية، بأنه يعود للملك القتيل.
أشباح أخرى
كانت الحيوانات المهداة للملوك تحفظ في البرج ..
يعد شبح الدب من أشهر الأشباح في البرج، ففي يناير 1816، ادعى أحد الحراس أن شبحًا لدب هاجمه خارج دار الجواهر الملكية الواقعة داخل البرج، وبعد بضعه أيام مات هذا الحارس في منزله وهو شاخص ببصره للأعلى ومتسمر في فراشه. الجدير بالذكر هو أن البرج كان لقرابة قرنين من الزمان مسكنا للوحوش الملكية، الأسود والفهود والدببة والفيلة .. الخ .. التي كانت تقدم كهدايا لملوك انجلترا.
ومن الحوادث الغريبة الأخرى في البرج هي ما حدث في عام 1876،,حيث أمرت الملكة فيكتوريا برفع الأرضية القريبة من كنيسة سانت بيتر واستخراج جثث الأشخاص الذين أعدموا في البرج ودفنوا هناك، وذلك من اجل دفنهم مجددا بشكل لائق،وقد أفاد ضابط كان في دورية حول الكنيسة أثناء تلك الفترة برؤية عدد كبير من الناس في وقت متأخر من الليل يسيرون حول امرأة تشبه الملكة آن بولين وبعد عدة دقائق تلاشى المشهد تماماً.
الكثير من الاعدامات والاغتيالات جرت في البرج ..
ومن المشاهدات الأخرى هي تلك التي حصلت في برج ويكفيلد، ففي هذا البرج قٌتل الملك هنري السادس على يد الدوق جلوستر ، ويٌقال بأن روح هنري تتجول في هذا المكان بضع دقائق كل يوم قبل منتصف الليل!.
طبعا هناك مشاهدات أخرى كثيرة، يطول ذكرها، فالبرج كما ذكرنا أنفا له تاريخ طويل مع الموت. ولا ضير من أن نشير هنا إلى أن آخر عملية إعدام جرت في البرج كانت في 15 أغسطس / آب عام 1941، حيث جرى إعدام الجاسوس الألماني جوزيف جاكوبز رميا بالرصاص. وجاكوبز هذا حملته إحدى الطائرات الألمانية سرا إلى بريطانيا في ليلة 31 يناير / كانون الثاني عام 1941، حيث قفز بالمظلة فوق أحد الحقول الانجليزية. الطريف في قصة جاكوبز هو أن مهمته التجسسية انتهت حتى من قبل أن تبدأ، فقد كسر كاحله عند هبوطه بالمظلة، وقد كان من الحماقة بحيث أطلق عدة رصاصات من مسدسه في الهواء طلبا للمساعدة!!. وحين وصل السكان المحليين إليه وجدوا معه 500 جنيه إسترليني وخرائط وأوراق هوية مزورة مع القليل من المقانق الألمانية!. وتكتمل غرابة قصة جاكوبز بكيفية إعدامه، فقد وضعوه أمام فصيلة الإعدام وهو جالس على كرسي مدولب! ، وذلك لعدم قدرته على المشي بسبب كسر كاحله. وجرى إعدامه على تلك الهيئة.
نبوءة الغربان العجيبة
غربان البرج .. اكثر من مجرد غربان! ..
لابد حتما حين نتحدث عن برج لندن أن نأتي على ذكر غربانه، فهي من أكثر ما يشد زوار البرج، وذلك لارتباطها بنبوءة ضاربة في القدم وغاية في الغرابة ..
تقول النبوءة .. أنه في اليوم الذي سيغادر فيه آخر الغربان برج لندن، فأن عرش انجلترا سيسقط .. ومعه ستسقط بريطانيا العظمى!.
يا لها من نبوءة خطيرة .. أو بالأحرى يا لها من أسطورة عجيبة ..
لكنها ليست مجرد أسطورة .. فملوك وملكات بريطانيا حرصوا دوما على وجود الغربان في البرج، يجب أن يتواجد ما لا يقل عن ست غربان في البرج دائما، ولا يجب في أي حال من الأحوال أن يخلو البرج من الغربان. ولأن الغربان في لندن انقرضت تقريبا منذ زمن بعيد، لذا فهم يحتفظون بمجموعة من الغربان المدربة في البرج، وهناك اليوم تسعة منها، جرى قص أحد جناحيها لكي لا تتمكن من الطيران بعيدا عن البرج، وقد دربت بصورة جيدة، ولها أتباع وخدم، وتتمتع بأفضل الطعام والرعاية، فهي ليست مجرد غربان، بل جنود لها أسماء ورتب وترتبط بوزارة الدفاع!. وكما هو الحال مع غيرها من الجنود والحرس، فعلى هذه الغربان أن تحسن التصرف، ويجب أن تقوم بواجبها على أتم وجه، وفي حالة مخالفتها للأوامر يتم فصلها من الخدمة!، وتعاقب بالنقل إلى حديقة حيوان، أو تطلق في البرية.
الغربان تحظى بعناية فائقة ..
ربما تظن بأننا نبالغ عزيزي القارئ .. لكن ثق بأنها الحقيقة .. وأزيدك من الشعر بيت حول أهمية هذه الغربان ..
فخلال الحرب العالمية الثانية، تحديدا بين عامي 1940 – 1941 ، أمطر النازيين لندن بوابل لا ينتهي من القنابل والصواريخ، حتى استحالت أجزاء كبيرة من المدينة إلى خراب، وخلال تلك الفترة العصيبة لم ينجو من شدة القصف سوى غراب واحد من غربان البرج، مما جعل ونستن تشرشل بذات نفسه، يأمر بأن تجلب على وجه السرعة غربان أخرى لتوضع مع الغراب الصامد في البرج، فعلى ذلك الغراب كان يتوقف مصير بريطانيا .. ومن يدري ؟ .. ربما لو تمكن النازيين من قتله، لفاز هتلر بالحرب!!. فهذه ليست مجرد غربان .. أنهم حراس البرج .. وحراس المملكة!.
مجوهرات العرش ولعنة جبل النور
المجوهرات الملكية .. تحفظ في البرج ..
في برج لندن، وتحت حراسة مشددة، يقبع أحد أثمن وأعرق كنوز العالم .. مجموعة لا مثيل لها من التيجان والصولجانات والسيوف المرصعة بآلاف الجواهر النفيسة. أنه كنز توارثه ملوك انجلترا واحدا بعد الآخر وأولوه عناية فائقة، فقيمته لا تكمن فقط في الذهب والمجوهرات المستعملة في صنعه، بل في كونه أحد أهم رموز الملكية. وقد كانوا في السابق يحتفظون بالكنز في كنيسة وستمنستر، لكن في القرن الرابع عشر الميلادي، وعلى أثر سرقة بعض القطع الثمينة، نقلوا الكنز إلى برج لندن ليقبع تحت حراسة مشددة. وفي العادة، لا يستعمل ملوك وملكات انجلترا قطع هذا الكنز إلا خلال مراسم تتويجهم، أو في المناسبات التي تستلزم أن يضع الملك أو الملكة التاج على رأسه. وهناك عدة تيجان مختلفة، بعضها للرجال، وأخرى للنساء، وجميعها مصنوعة من المعادن الثمينة المرصعة بأغلى وأقدم وأجمل مجوهرات العالم، وهي مجوهرات استولى الانجليز على الكثير منها خلال استعمارهم الطويل للكثير من أمم وشعوب العالم. وعلى رأس هذه المجوهرات تأتي ماسة (كوهينور) أي جبل النور بالفارسية. والتي استولى البريطانيون عليها أثر احتلالهم لدلهي والبنجاب في عام 1849. حيث أجبروا حاكم دلهي الشاب، المهراجا دليب سنجه ذو الثلاثة عشر عام على تقديم الماسة كهدية للملكة فيكتوريا عام 1850. وهكذا وجدت الماسة طريقها لترصع أحد أجمل التيجان في العالم.
تاج الملكة اليزابيث الثانية .. ماسة جبل النور ..
ماسة جبل النور لها تاريخ طويل وقديم، يقال بأنها اكتشفت في منبع أحد الأنهار الهندية المقدسة قبل آلاف السنين. لكن أول الكتابات التاريخية عن الماسة تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي. وعبر القرون انتقلت ملكية الماس بين عدد كبير من الملوك والأمراء والنبلاء الهندوس والمسلمين. وكان نادر شاه أفشار، شاه إيران، هو أول من أطلق أسم جبل النور على الماسة وذلك بعد أن استولى عليها أثر غزوه للهند في عام 1739.
الغريب في ماسة (كوهينور) هو أنها تعد واحدة من أكثر الجواهر نحسا في العالم، فأغلب من امتلكوها كانت نهايتهم مأساوية وأليمة، وسبب النحس يعود إلى لعنة قديمة صبها الكهنة الهندوس في غابر الزمان على هذه الماسة النفيسة.
تقول اللعنة : "كل من يمتلك هذه الماسة سيمتلك العالم معها، لكنه سيجرب نحسها ومصائبها أيضا. فقط الله، أو امرأة، بإمكانهم وضع هذه الماسة من دون أن تحل عليهم اللعنة".
ولهذا السبب بالذات فأن ملوك بريطانيا لا يضعون هذه الماسة أبدا في تيجانهم، وذلك تجنبا لنحسها. فقط النساء، الملكات، هن من يضعن جبل النور في تيجانهن، وآخرهن كانت الملكة إليزابيث الثانية التي ما زالت الماسة ترصع تاجها.
ختاما ..
فأن برج لندن ما زال يخفي في جنباته الكثير من الأسرار، والكثير من القصص التي لم تسرد بعد .. وما زالت أشباح الأمراء والملكات الذين قٌتلوا غدراً تجوب في أرجاءه .. ربما ما زلوا يعتقدون بأنهم يعيشون العصور الوسطى.. ولهذا تٌعاد مشاهد إعدامهم مراراً وتكراراً.
والآن هل تريد زيارة البرج يوما ما ؟ ..